الجمعة، 6 سبتمبر 2013

يوم نصف ممل...

همممممم....
نفس عميق وتنهيدة...وقلم على وشك الكتابة ، لكنه يعجز عن التحرك منذ نصف ساعة ، رغم أنه يعرف ماذا يريد أن يكتب !
الكلمات تُحلِّق فى رأسك ، وتراها متجسدة فى خيالك ، لكنك تعجز عن الربط بينها فى جملة مفيدة ووضعها على الورق...لا يصنع بى شىء مثل هذا سوى الملل....لماذا خلق الله الملل ؟!
الكثير من الأحداث فى يومين...ولكن كأن شيئاً لا يعنيك ، فأنت تعيش فى رأسك ! ...هذا لا يعنى عدم اهتمامك بالضرورة...ولكن يعنى بشكل ما أنك تهتم على طريقتك ، اهتمام صامت جداً من الخارج لكنه صاخب جداً من الداخل فى نفس الوقت....اهتمام مختلف جداً عن الآخرين من جهة....واهتمام بما يعنيك حقاً - فقط - من جهة أخرى....
لعل يومين مليئين بالأحداث المتضاربة بعيداً عن البيت يكون مستهلكاً للطاقة بهذا الشكل....البعد عن البيت الى مكان لست معتاداً عليه يسبب الملل ....العودة الى البيت بعد غربتك القصيرة هذه يسبب الملل أيضاً ! ..
- قبل الذهاب الى القاعة ...احاديث سياسية عقيمة...أهرب داخل رأسى...
- اثناء الذهاب الى القاعة ....سيارة من "الزفة " ترسل بأحد المارة الى الجحيم ...عفواً أقصد الى المستشفى....وأخرى تمتطى ظهر سيارة رياضية أخرى من " الزفة " أقصد ترتطم بها ارتطامة رومانسية جداً من الخلف...السيارة الاولى تذهب للجحيم بالطبع ولا تكمل "الزفة" فلا أحد يمزح مع السيارات الرياضية....كان هذا المطب اللعين كافياً لتحويلها الى قطار من السيارات المحطمة ويلون الطريق الكئيب اللون بدمائنا....بينما فزع الجميع ...لم تهتز منى شعرة رغم اننى كنت فى قلب المعركة ورأيت تفاصيلها تحدث بالتصوير البطىء بجوارى تماماً ....بل بدأ عقلى يفكر بكل هدوء (لماذا بحق السماء يوجد هذا الكم من المطبات العشوائية على طرق - من المفترض أنها - "سريعة") ....أعيش فى رأسى ولا أدرى لماذا أمتلك هذه البرودة تجاه مخاطر أن تسير على طرق مرورية فى مصرنا المحروسة ..
- اثناء الذهاب الى القاعة أيضاُ تعليق طريف من خالى عن الحقيقة وراء يوم الخميس...أعنى أن تكون الافراح معظمها يوم الخميس...وهو أن هذا الميعاد يناسب معظم الموظفين لانه يكون آخر الاسبوع ووراءه يوم اجازة...حقاً ! ظننت التفسير اصعب من ذلك !
- بعد الوصول الى القاعة بقليل...أحاديث سياسية عقيمة أخرى....أهرب الى داخل القاعة نفسها هذه المرة..
- أترحم على الايام التى كانت أغانى الافراح فيها تتحدث عن أشياء مفهومة ليس من ضمنها البانجو والحشيش و السيدات ال - احم - مش محترمات....رغم اننى كنت اكره هذه الاغانى ايضاً حينها ...لكن الامر أصبح الآن مجرد أن تحدث أكبر قدر من الضجيج ليس أكثر....عانيت من الصمم الجزئى لمدة نصف يوم...
- وسط هذا الجو من التحشيش الغنائى ورقص المهرجانات الجماعى...لم أجد أفضل من التحشيش الفكرى مع "عمونا" فيرناندو بيسوا....أخرجت الموبايل وفتحت كتاب "اللاطمئنينة" لأجد أول ما تقع عليه عينى هو هذه القطعة الفريدة : (( لا أعرف متعة تعادل متعة قراءة الكتب - وأقرأ القليل - الكتب هى تمثيلات للأحلام ومن يدخل فى حديث معها ليس بحاجة - مع سهولة العيش - الى تمثيلات . لم أتمكن قط من قراءة أى كتاب باستسلامى كلية له . دائماً مع كل خطوة ، يأتى التعليق من الذكاء أو الخيال على المقروء ليوقف تسلسل السرد . بعد دقائق أصبح أنا كاتب الكتاب . وما هو مكتوب فيه لا يغدو موجوداً فى أى كتاب . )) كأنه كان يقرؤنى تماماً فى هذه اللحظة ...ثم بعدها مباشرة أرضى طموحى التحشيشى والذهنى والعاطفى فى هذه الليلة الليلاء بالقطعة الفريدة التالية : (( نحن عبيد للزمن - مع عدم رغبتنا فى ذلك - ولألوانه وأشكاله ، رعايا للسماء وللأرض نحن . ومن يتقوقع فى ذاته منا ، مزدرياً ما يحيط به ، يكون وضعه النفسى مختلفاً عندما تمطر السماء عن وضعه حينما تكون صافية . انها تحولات غامضة تجرى داخل الاحساسات المجردة الأكثر حميمية وهى تتولد ، اما بسبب هطول المطر او بسبب انقطاع هطوله . وهى تحس بغير أن تحس لأن الاحساس بالزمن يعاش بدون أن يحس. كل واحد منا متعدد فى ذاته ، كل واحد عبارة عن أشخاص عديدين أو تمديد لهم ، لذلك فان من يحتقر المجتمع الذى يعيش فيه ليس هو نفسه بالذات من يبتهج أو يتألم من أجل نفس المجتمع ، فى المستوطنة الشاسعة لكينونتنا يوجد أناس متنوعو الاجناس ، يشعرون ويفكرون بطريقة مختلفة فى هذه اللحظة بالذات وأنا أكتب ، فى فاصل الاستراحة المشروع لهذا اليوم الخالى الا قليلا من الاشغال ، أنا من يكتب بتيقظ هذه الكلمات الانطباعية القليلة . أنا هو المبتهج بانعدام ما يدعو الى الشغل فى هذه اللحظة . أنا من ينظر الى السماء الموجودة فى الخارج هناك ، والمتعذر رؤيتها من هنا . أنا من يفكر فى هذا كله ، أنا من يحس بالجسد الفرحان وباليدين الباردتين برودة غامضة ، وكل عالمى الخاص المكون من أشخاص مختلفين متزاحمين فيما بينهم ، مثل جمهور متنوع ، لكن متراص ، هو ظل فريد لهذا الجسد الهادىء والكاتب الذى به انحنى واقفا أمام مكتب بورخيس العالى الذى أتيته باحثاً عن نشافتى المعارة . )) ...الله عليك يا عم فيرناندو انقذتنى فى هذه الليلة .
- فى طريق العودة من القاعة ...نصادف كمينى مرور...وحملة أمنية "كبسة" لضبط متهم....الظريف فى الامر انها المرة الاولى فى حياتى التى أخرج من دون بطاقتى الشخصية ولكن الحمد لله أن الحملة لم تكن عشوائية ....والمرة الاولى ايضا التى ارى "مخبرى" الشرطة بهذا القرب من قبل وهم يمسكون بأحدهم ...انهم الكائنات الأدنى فى سلسلة البشرية حقاً ....لماذا خلق الله المخبرين ؟!....دائماً تذكرنى كلمة مخبرين ...بالدولة الشمولية...بالاتحاد السوفييتى ...ب " الاخ الاكبر يراقبك " وعالم جورج اورويل الرهيب هذا ! انها ارتباطات شعورية وليست واقعية بالطبع فلا أدرى ان كان للاتحاد السوفييتى حقاً مخبرين مثلنا !
- بعد العودة ...أختم الليلة بفيلم ((البيه البواب))...أحب هذا الفيلم جداً....نصفه الأول بالذات...انه كمعظم الافلام التى تتحدث عن فترة حكم السادات بعد الحرب والانفتاح الاقتصادى وما الى ذلك ....حيث تصعد الطبقات الدنيا من قاع المجتمع الى القمة بطرق غير مشروعة خلقتها سياسة الانفتاح وتحتقر الطبقات الاعلى منها سواء كانت وسطى أو عليا بسبب حقد طبقى او صعود سريع يخلق شعور بالزهو وبانك اذكى حقاً من هؤلاء الاسياد المتبجحين...بينما تتآكل الطبقة الوسطى والبورجوازية المصرية بالتدريج ...أحمد زكى وفؤاد المهندس عملوا دورين عالميين....نهاية الفيلم هى نهاية متخلفة وحالمة تليق بفيلم مصرى أصيل....
هه...كفاية رغى بقى ...سلام :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق