السبت، 28 يونيو 2014

الى صديقة 2



   ملحوظة : كتبت هذه التدوينة فى 19\2\2014 "كتابة بأثر رجعى !"      

           سعيد بأن أرى انتقامك منى...أتمنى أن يريحك ذلك بعض الشىء ....وأن يسعدك ....وأنت تحولين الذكرى الجيدة  الى ذكرى سيئة جداً !!  انه لمن الصعب أن تبدو الطرف السىء أو الخائن فى علاقة ...لأنك لن تستطيع التحدث عن ذلك...بطريقة  شاعرية !! انتقام لم أدركه جيداً فى أول الأمر لأننى كنت مشغول بالشعور بالذنب تجاهك لكنه يبدو الآن واضحاً متجسداً....
بائسة و مقبضة هى الحياة يا عزيزتى حيث تبدو حلقة متصلة من الرفض المتبادل والمستمر حيث يعدو الجميع وراء بعضهم البعض دون أن يصلوا الى شىء ما...فأنت تعدو وراء شخص ما صديق أو حبيب وتتمنى قربه....بينما يعدو وراءك شخص آخر ما وأنت لا تلتفت له.....وهذا الشخص ما يسعى وراءه شخص ما ثالث أو رابع وهو لا يلتفت له...وهكذا ينتهى الجميع بالحصول على اللاشىء....
بالمناسبة هل تذكرين حبك لكلمة "بائس" أنا بائس يا عزيزتى....بائس جداً
هل أذكر لك صداقتى المقربة الأولى....ذلك الصديق (م.ص) على أعتاب المراهقة فى السنة الأولى من الثانوية العامة...فى ذلك العمر الحقير من حياة الانسان ....حيث تختبر كآبة وضعوط الثانوية العامة جنباً الى جنب مع آلام ومصاعب فترة المراهقة....ذلك الاحساس الممض المستمر بالشعور بالذنب ....ذلك الاحساس المستمر بالغضب من أى شىء وكل شىء....أنت الكائن المنطوى بطبيعته فى هذه المدينة "المسخ" التى تسكنها....فى هذه المدينة التى اكرهها من كل قلبى....أنت الكائن المنطوى بذاته تدخل الى هذا العالم الصاخب للمراهقين شخصاً آخر غير الذى كنت تعرفه...تدخل مجرداً من كل سلاح....تجلس فى "تختة" بمفردك فى الصف قبل الأخير لأنه لا أحد يعرفك حقاً...ولا يبدو أن أحد يملك الرغبة حقاً فى الجلوس بجانبك لأنك لم تحاول صنع صداقات....تعرف فيما بعد بطريقة ما أن الجلوس بجوارك لدى بعض الأوساط كان يعتبر تهمة ! ....تهمة الجلوس إلى جوار غريب الاطوار !!
لا أعرف هل لحسن الحظ أم لسوء الحظ أنه كان لا يعرفنى من قبل...حدث شجار بينه وبين الشخص الذى يجلس بجواره فجاء إلى ...يطلب الجلوس بجانبى...فوافقت.
تعارفنا وثرثرنا كثيرا ونشأت صداقة قوية بيننا ...تشاركنا حتى  أدق الأسرار التى نخفيها عن والدينا - كما يقولون -  أو بالذات التى نخفيها عن والدينا !!
كان ثرثاراً بشكل لا يصدق واجتماعياً – بعكسى – يساعده فى ذلك قدرته الشديدة على الحديث بدون توقف.....كان هيستيرياً يضحك على أى شىء وكل شىء حتى تدمع عيناه - حرفياً ! – فيبدو أقرب الى مجنون هرب للمستشفى للتو ...فى مرحلة ما لاحظت أنه يتحدث عن نفسه كثيراً دون أن يصغى ...كل شىء يدور عنه هو فقط...انه لا يصغى الى...انه لا يرانى اساسا...فقط يستمر فى التحدث عن نفسه الى والى غيرى والى كل الناس...دون أن يصغى حقاً....وفى مرحلة أخرى صارت الأسرار حمل على كتفانا نخجل منه ونتوارى ....ونندم على البوح به....ثم انتهى الأمر لا أذكر كيف ....فقط انتهى نهاية شنيعة يا عزيزتى....دون إبداء أى أسباب....فقط كان يتوقف عن الحديث إلى أو حتى النظر إلى لمدة شهور وكأننى قد طعنته بسكين....كان الأمر يبدو وكأننا تشاجرنا ولكن ذلك لم يحدث ! ....كان يبدو غاضبا لا أدرى لماذا...وكان ذلك يثير جنونى....كنت أشعر بالإذلال ....كان أكثر الشخصيات الذين رأيتهم جنوناً فى حياتى....وانتهى الأمر....وترديت أنا فى هاوية سحيقة حتى وقت دخولى الجامعة....
قبل دخول الجامعة وبعد معرفتى بمصيرى فى كلية الطب التعيسة تعرفت إلى زميل عن طريق الانترنت يحمل نفس مصيرى.....كانت بداية تعارفنا شجار حول أمر ما وذلك غريب...ولكنها انتهت الى صداقة عبر الانترنت....استغللت الفرصة وتشبثت به فى ذلك العالم الذى لا أعرف عنه شىء بعد ولا أعرف فيه أحد....عالم الجامعة الواسع المخيف....كان من النوع الذى يسهل مصادقته....ذلك النوع الودود الذى ينشىء صداقات مع الجميع....ثرثرت عن نفسى كالعادة وتحدثت فى أمور شخصية كثيرة بمنتهى الغباء مع شخص تعرفت به للتو....تلك الأحاديث عن مشاعرك الصغيرة الغبية وانكساراتك ومخاوفك التى لاتهم أحداً إطلاقاً....تلك الأحاديث التى تخجل منها عندما تتذكر أنك ذكرتها أمام شخص ما....
رباه ياعزيزتى....رباه ! ...كم كنت ساذجاً فى ذلك العمر ....كم كنت غبياً....ذلك العام الأول من الجامعة أسميه عام السذاجة المطلقة....
كنت أرتعد كفأر صغير من داخلى.....كنت هش كورقة شجر يابسة....وسريع التأذى من أى كلمة كفتاة صغيرة....
كان (م.ن) هو ورقة دخولى الى ذلك العالم التى اعتمدت عليها اعتماداً مطلقاً....ذلك العالم الذى أخشاه ولا أعرف عنه شيئاً.....
كنا قد اتفقنا على أن نسكن سوياً فى المدينة الجامعية...تخليت عن فرص أخرى كثيرة واعتمدت عليه كثيراً مطمئناً إليه...ومتفائلاً بسنتى الأولى فى الجامعة....
وفى يوم السكن المنتظر ...رأى الغرفة ففر هارباً ! ولم أره ثانية !
قضى العام الأول عند خاله ثم حول دراسته  إلى جامعة محافظته !
شعرت بأننى طعنت من الخلف....شعرت بالخيانة كما لم أشعر من قبل....وشعرت بالمقت الشديد....
لم يكن الرفيق البديل سيئاً....ولم تكن سنة سيئة فى المجمل إذا استثنينا امتحان آخر العام....ولكن الشعور بالخيانة وسخرية بعض الرفاق كان أكبر من أن يحتمل...
لم يكن غريباً أن يكون ذلك العام هو العام الذى توقفت فيه عن اتخاذ أصدقاء مقربين – أو عن اتخاذ رفقاء بشكل عام ويا للسذاجة ! – واتجهت الى الكتابة والبوح للورق فى صمت ....حتى صرت اليوم بلا أصدقاء حقيقيين سوى هذا الورق وهذه الكلمات....ويا لابتذال هذا الوضع يا عزيزتى....يا لحماقته....وأقسم أننى لم أذكر هذه الجملة لأذكر كم أنا شخص وكاتب عظيم مجروح يصادق الورق فى آنفة وإباء ....ويكتب الأشعار العظيمة ! .... لا يا عزيزتى ما الكتابة فى حالتى بشىء عظيم ....ما هى إلا شىء مخز ومذل....ما هى إلا عزاء لى فى الوحدة....
إنه لشىء مخز أن تجلس فى المنزل بالشهور دون أن يتصل بك صديق واحد ...دون أن تقابل صديقاً واحداً...فقط واحد يا الله....بينما ترى إخوتك الأصغر منك يذهبون ويجيئون ...بينما ترى إخوتك الأصغر منك أجهزتهم المحمولة لا تتوقف عن الرنين....بينما ترى إخوتك الأصغر منك يصنعون صداقات بنفس سهولة ارتدائك لملابسك ....بنفس سهولة أى شىء تفعله باعتيادية تامة....فقط هكذا....
هل تعرفين ما هو الاذلال يا عزيزتى ؟
الاذلال أن يأتى بك والديك ويجلسانك أمامهما بشكل مفاجىء ويبدئان فى استجوابك عن عدم وجود أصدقاء لك فى حياتك...دون أن يتحليا باللباقة الكافية لعدم فعل ذلك أمام إخوتك الأصغر منك.....الاخوة الطبيعيون الذين يمرحون مع أصدقائهم بينما أنت لا ....بعد كل هذه السنين وفى هذا العمر....وأمام إخوتك....هل تتخيلين الاذلال !
هل تعرفين ما هو الاذلال يا عزيزتى ؟
الاذلال بأن تخجلى من السير فى شوارع مدينتك ....أن تكرهى الذهاب للصلاة فى مسجد منطقتك....أن تكرهى فعل أى شىء فى مدينتك أمام الناس....حتى تتجنبى نظراتهم اللزجة....حتى تنسى السمعة العظيمة التى اكتسبتيها بأنك شخص انطوائى غريب الأطوار....أن تهربى لمكان لا يعرفك أحد فيه....
الاذلال بأن تتعايشى مع كل هذا وذاك يومياً فى المنزل وفى الشارع وفى كل مكان حتى أصبحت أمقت إجازاتى.
وما الكتابة يا عزيزتى إلا إذلال ....إذلال يحاول أن يبدو مترفعاً....ولكنه إذلال بائس....ما هى إلا عزاء مؤقت....لا يغنى عن حياة حقيقية....
هل تريدين إذلال أكثر يا عزيزتى؟
هل تعرفين مغامرات هذا القلب التعس يا عزيزتى....
أظنك تعرفينها ولكننى سأحكيها مع ذلك....
كانت المرة الأولى فى أواخر الصف الثالث الثانوى....درس الفيزياء....الساعة السادسة صباحاً....(القصة المكررة اعرف)..
هل تعرفين يا عزيزتى؟ ...كمراهق ، كانت المرة الأولى التى أشعر فيها أننى لست حيواناً ! ....أننى ارتقيت فوق مستوى البشر....كان شعوراً لا يوصف ....ذلك الارتباك اللذيذ ...وتلك الضربات السريعة....هذه الجاذبية والمغناطيس الخفى....إنه شىء يسحب الروح حرفيا !
كانت ضئيلة الحجم كعصفورة ....بوجه برىء يحمر خجلاً بسهولة.... ترتدى دوماً معطفاً كبير الحجم طويل يغطى جزء كبير من ارجلها فكانت تبدو فيه حمقاء مرتبكة...كان يبدو وكأنه لأبيها الذى يوصلها دوماً.....كانت خجولة للغاية لدرجة أننى نادراً ما رأيتها تضحك.....
لم أفاتحها فى أى شىء بالقطع ....فقد كنت أخجل من ظلى ...وما كنت الا طالب ثانوى احمق على كل حال ...ولم يكن الامر اعتياديا فى ايامنا كما هو اليوم ! كان المعتاد هو أن نصمت
ثم ماذا يا عزيزتى ؟
ما هى الا شهور بسيطة حتى كان كل منا فى جامعة مختلفة فى بلد مختلف واختفى الأمر كأنه لم يكن لم ارها ثانية مطلقا ....حتى اننى كنت اتسائل أحياناً فى سذاجة ان كان الامر قد حدث حقاً ! ....ان كانت حقيقية !
ظللت أتذكرها مدة طويلة ...حتى أننى كتبت أشعاراً ....وظللت أحلم بلقاء ما .... لربما ترينها سذاجة ومراهقة ...ولكن أتعلمين كان من الجيد الاحتفاظ بشىء كهذا بداخلك....شىء يبقيك دافئاً ! ....كانت نوع من الايمان افتقده الآن ...عزيزتى أصبحت أفتقد الايمان بأى شخص ....أصبحت غير قادر على حب أى شخص كذلك الحب....
ظللت أؤمن لسنتين بتحقق معجزة ما بينما عقلى يلعن سذاجتى ...وبالفعل بعد أربع سنوات تحققت المعجزة !
وجدت صديق لى يرسل لى صورة ل "امرأة" ترتدى فستان خطوبة وتضع مكياج كثيف وترتدى الطرحة الاسبانش التى اكرهها ....وبجوارها شخص عريض المنكبين منتفخ الاوداج تلتصق رأسه بكتفيه دون وجود ملحوظ لرقبة ما تفصل بين الاثنين ويملك لغداً جميلاً  لا يمكن اغفاله ....شخصاً اذا قابلته فى أى مكان للوهلة الأولى دون أى معرفة مسبقة فلن تعتقد الا أنه شخصية لزجة وسمجة ....تعلو وجهه بسمة انتصار غير مفهومة....
كان شيئاً عجيباً....يبدو كالجميلة والوحش مجسداً فى الحقيقة....
صديقى يضحك وأنا لا أفهم شيئاً ....لم أتعرف الشخصيات فى الصورة حقاً ....ولكننى خمنت الأمر ومع ذلك استبعده عقلى على الفور لا أفهم لماذا ؟! .....المأساة يا عزيزتى أننى لم أتعرفها ....حقاً ليست هذه هى....ليست هذه هى من أحببتها ....ليست هذه الصورة التى يحتفظ بها عقلى بعد هذه السنين ....ما أتذكره أنها كانت أكثر براءة من ذلك بكثير ...كنت قد نسيت أمرها تماما منذ سنة ....ثم هذه الصورة تظهر الآن ...يا الله ! ...انتابتنى نوبة ضحك شديدة على سخرية الأقدار....من أحببتها فى يوم ما ....من امتلكت كل هذه البراءة فى يوم ما....هى اليوم بهذه الحال ومخطوبة الى ذلك الشخص الذى لا أريد أن أغتابه أكثر من ذلك....
ثم فجأة ظهر الكلام من صديقى عن أنها ليست من أتخيلها وأنها فتاة سيئة الطباع و أنه قد عرف ذلك من صديقة لها وإلى آخر هذا الهراء الذى لن أستطيع التأكد من صحته فى يوم ما....
وانسحقت حتى الذكرى الجيدة التى كنت أملكها ....التصقت الصورة الجديدة بذهنى للأبد....ولم أعد أشعر بذلك الشجن كلما مررت بغرفة الفيزياء القديمة فى السادسة صباحاً ! ....
لذلك عزيزتى لا تستهينى بالذكريات....فذكرى جيدة خير من لا شىء ....فالذكريات تبقيك دافئاً !
كل ما دون ذلك عزيزتى بعد هذا هو هراء ....هو اعجاب خاطف للحظات تستطيع السيطرة عليه بعقلك اذا أردت....ليس كذلك الشىء الجارف الذى استمر سنين بعدها دون لقاء !
حتى (ش) الجميلة....(ش) القاسية وبسمتها التى تخطف الانفاس....(ش) التى تلاعبت بى فى يوم ما لتغيظ شخصاً آخر فى تلك السنة الساذجة فى حياتى فى أول الجامعة ....لم تستطع الاقتراب من ذلك رغم أنها كانت مرشحة قوية...
كل ما فعلته أنها خلفت الاحتقار بنفسى.....ونزعت منى الايمان بذلك الشىء نهائياً إلى الآن...
أوتعرفين لم أعد أحب أى شخص ولا أشعر بأى ذنب.....لم أعد أحزن من أى شخص يحذلنى وكذلك أنا أصبحت أخذل الناس دون الشعور بأى ذنب....فقط أفعل ما يتوجب على فعله وما أحس أننى مرتاح إليه...أنا لم أعد أشعر...
هل تعرفين....صديقى قتل منذ ستة أشهر وكان من أكثر الناس معزة إلى قلبى ...فما ذرفت دمعة واحدة ! ...شعرت بالضيق الشديد والاكتئاب يومها فدخلت للنوم مبكراً ...ثم صحوت من النوم دون أتحدث بكلمة واحدة فى الأمر لأحد...فقط كتمت ذلك فى صدرى واستمررت ...
هل تعرفين بيت خالتى فى الغربة...كدت أن أطرد منه طرداً منذ أربعة أشهر ...لأنهم أرادوا استقبال ضيف آخر....كان الأمر فوق مستوى تخيلى ....خالتى التى كنت أحبها أكثر من أمى ....ثم ها هو ذلك يحدث....فكتمت ذلك فى صدرى ...واستمررت
جدتى التى كنت اعبدها عبادة ....ثم ها أنا ذا لا ألقاها إلا لماماً....
خذلت أشخاصاً كثر أحبونى بصدق...فما امتلكت ذرة من الرغبة فى اصلاح ذلك....فقط كتمت ذلك فى صدرى ...واستمررت
عزيزتى لقد ترديت فى هوات سحيقة من قبل لا يمكنك تخيلها ...ولست ذلك الشخص البارد المتماسك أمامك....لابد أننى كنت شخصاً آخر ولكننى لا أتذكر ذلك....وحقاً لا يعنينى الأمر كثيراً ...
هل تعلمين يا عزيزتى أن أبى اعتاد فى طفولتى ومراهقتى أن يصفنى ببرودة المشاعر...هل تعلمين أنه لذلك يظننى صالحاً للطب والجراحة...لأننى بارد المشاعر !...لأننى لا أهتز ! ....انه يظن أننى بلا مشاعر يا عزيزتى هل تتخيلين ذلك....وأننى لذلك سأتعامل مع المرضى بجدية دون الشعور بألم....كم ذلك قاسٍ حقاً ...وحقيقى بعض الشىء أيضاً فى الوقت نفسه !
لقد وصلت إلى مرحلة توقفت فيها عن الشعور حتى أستطيع الاستمرار ...إننى فى مرحلة يقولون فيها أننى يجب أن أصبح طبيباً حقيقيا ً وأن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل والعبث....فقط مهما حدث أكتم ذلك فى صدرى واستمر...لا وقت للاكتئاب يا عزيزتى ....لا وقت للمشاعر....انتى تعرفين مثلى تماما أن الطب مهنة تمتهنك أكثر مما تمتهنها ....الأمر معكوس تماماً.....إنه شىء يمتهنك ويسحقك ويدفعك الى أقصى طاقات إحتمالك النفسى والعقلى ....ولن يسامحك أحد ولن تسامح نفسك إذا تسببت فى أذى أو قتل المرضى.....إنه شىء مخيف ومقبض...أن تصبح طبيباً...وفى هذا البلد بالذات !!
ولذلك فقط أكتم كل شىء فى صدرى وأستمر يا عزيزتى ...لأنه لا وقت يا عزيزتى لا وقت !
فى هذه السنة بدأت فى تناول أقراص تحتوى على مضادات الهيستامين لاستطيع النوم بسرعة....لاستطيع النوم فى أقصر مدة بعد وضع رأسى على المخدة دون فترة ما قبل النوم السخيفة هذه ....دون هذه الأفكار التى تتزاحم فى رأسى بلا نهاية بالساعات....لأنه لا وقت عزيزتى لا وقت....لا وقت للاكتئاب والعبث....لا وقت لأى شىء ....
عزيزتى هل تذكرين عندما حدثتك عن الصوفية فارتعبتى ؟ !
ارتعب قلبك السلفى الصغير المرتجف لأنكِ ظننتِ أننى أنحرف عن جادة الصواب بما تسمعينه عن الصوفية من شيوخك السلفية ....
كنت أتحدث عن قراءات فقط...عن البحث فى الذات.....عن جلال الدين الرومى وابن عربى .....وليس النزول للطواف بالمقامات وهز الرأس فى الموالد....
فقط كنت أبحث عن شىء مفقود بداخلى....
حتى ذلك البحث فقدت الرغبة فيه الآن عزيزتى ....
أصبحت أعتقد أننى شخص ملعون ولا فائدة.....هل ترين إلى أين وصلت ....شخص ملعون ! ....يا ليتنى بقيت هناك ...عند الصوفية !
أوتدرين....أظننى كنت دوماً كذلك...
كنت دوماً الطفل الذى يختبىء تحت المنضدة ....أو فى حديقة المنزل....إذا جاء موعد الصلاة....حتى لا أذهب مع أبى للمسجد ...
فعلت أشياء رهيبة فى طفولتى....
لم ألتزم فعليا بالصلاة إلا فى منتصف أو أواخر الصف الثانى الثانوى !
لم أكن من تلك القلوب المؤمنة الصغيرة...التى تعدو إلى المساجد....وتقلد الكبار فى الصلاة بطريقة مضحكة....وتحفظ القرآن والأناشيد الدينية وترددها بسذاجة....
كنت لا أفعل إلا ما أقتنع به عقلياً ....كنت عنيداً دوما....أهرب وأختبىء وأكذب ....لا أفعل شىء لا أحس به....فقط لأن شخص ما اراد منى فعل ذلك ....لم أكن يوماً من تلك القلوب المؤمنة المتفائلة  الا نادراً ....فقط انها ليست طبيعتى....أنا أعرف ذلك ....
فى العام الماضى .....كان هناك مشروع لحفظ القرآن بطرق مبتكرة سمعت عنه....تحمست للأمر....أنت تعلمين أننى أحب دوماً التخطيط لأمور كبيرة كل سنة ولا أفعلها او لا أنهيها ....
المهم أننى امتلكت الشجاعة الكافية وذهبت ....استطعت حفظ الكثير بسهولة ولم أشعر بصعوبة فى الأمر....ولكن كان هنالك شعور ممض بالغرابة وعدم الارتياح ....بالاضافة لاننى لا استمتع بحفظ القرآن دون فهمه او قراءة تفسيره هذا المشروع الذى يتأجل باستمرار ويفشل .....فاننى كنت أشعر بالغرابة وسط هؤلاء الناس ! .....بل وربما ببعض الخجل ! ....نفس الشعور الذى تشعر به امرأة غير محجبة ولكنها محتشمة ومحترمة أمام امرأة منتقبة ....أنا لا أناقش هنا فرضية الحجاب ولكننى أتحدث عن الشعور نفسه ....الشعور أنكم أتيتم من عوالم مختلفة تماماً ....أن هذا الشخص الذى أمامك أنت لا تطابق مفهوم المسلم فى ذهنه ....أن أفكاركما مختلفة تماماً ....وربما هو يحكم عليك الآن فى داخله....
إن اختلاف المفاهيم والأفكار لم يمنعك من أن تعتقد نفسك مسلماُ أنت أيضاً ...وأن تأتى لحفظ القرآن....
ولكن الشعور بالغربة والغرابة ممض جداً يا عزيزتى....ممض وقاسى....هذا الترقب الحذر والتحفز....هذه النظرات وكأنكم  تقرأون  أفكار بعضكم البعض ....هذا التعامل المتكبر أحياناً والقلق أحياناً أخرى من جانب الإناث ....والترقب والتفحص فى هيئتك فى محاولة للنفاذ بداخلك من جانب الذكور.....هذا الجو الذى تشعر بأنك دخيل تماماً عليه...
أتى اليوم الذى يجب أن تمسك فيه الميكروفون وتسمّع بعض الآيات أنت أيضاً....اليوم الذى حاولت تأجيله كثيراً.....
فخرج الصوت مرتجفاً أخرقاً ....وكأن شخصاً آخر لا تعرفه هو الذى يتكلم ....كان اليوم الأخير وهربت بعدها ....لم اتحمل سوى شهر واحد يا عزيزتى ....
آه يا عزيزتى آه....الشعور بأنك لست مؤمناً كفاية
الشعور بأنك لن تكون يوماً هذا الشخص ...وأنك لا تقتنع بما يخبرك به هؤلاء الاشخاص
الشعور بأنك ملعون ولا شفاء لك ....وأنك فى رحلة بحث طويلة
الشعور بأنك تريد أن تفهم كل شىء....الشعور بأنك غير قادرعلى ذلك الآن....وأن ذلك ربما لن يحدث قبل عشرين عاماً ....فتتوقف عن الشعور
آه يا عزيزتى آه ....
أنا بائس يا عزيزتى ....بائس
ويجب أن تكونى سعيدة بالتخلص من شخص بائس....
فقط لا تدمرى الذكرى....لا تدمريها حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاَ.......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق