السبت، 28 يونيو 2014

أن تكون إيفان فيدوروفتش

ملحوظة : هذه التدوينة كتبت فى 15\2\2014 " كتابة بأثر رجعى ! "



         الأسوأ من أن تكون ملحداً تقليدياً ترفض وجود الله ولا تعترف به – لأن الملحد التقليدى هو ملحد ساذج فى كل الأحوال-  الأسوأ من ذلك أن تكون كذلك الملحد "إيفان فيدوروفتش" فى رواية الإخوة كارامازوف لديستويفسكى ....ذلك الملحد الذى يعترف بوجود الله ولكنه يرفضه ويرفض كل ما يصدر عنه....لأن كل منا يحمل جزء من هذا الملحد بداخله...
ذلك الملحد الذى يريد أن "يعيد بطاقته إلى الله" ويرفض أن يتواجد فى هذا العالم....لأنه يرفض الطريقة التى يسير بها العالم....ويرفض الشر الذى يحدث فى هذا العالم....خاصة للأطفال البريئة الذين لم يرتكبوا أى ذنب بعد ....يرفض مثلا أن ينشأ طفل ما فقيراً ثم ها هو يعمل خادماً عند شخص ما يتصادف أن سكون هذا الشخص شخص سادى قذر....يعذبه من أجل لاشىء فقط لأنه يستطيع فعل ذلك أو لأى سبب تافه ما....فيحرق جسده أو يترك كلابه تمزق جسد خذا الطفل البائس بينما يصرخ الطفل متوسلاً....أو يكون سادياً أكثر ويغتصب الطفل ! وما أكثرهم.....حياة هذا الطفل يقيناً تدمرت للأبد دون أى ذنب قد يكون ارتكبه بعد.....بهذا المثال يريد ايفان فيدوروفتش ان يوضح أنه لو اجتمع كل مؤمنو الارض فى هذه اللحظة وأخيروه أن لهذا الأمر حكمة كونية ما  وأن لكل هذا الشر فى العالم حكمة إلهية فإنه فى هذه الحالة بالذات لن يستطيع أن يتقبل ذلك أو يفهم ذلك حتى ولو كان لذلك حكمة بالفعل.....لا يستطيع قبول أن تتدمر حياة طفل للأبد لأن لذلك حكمة الهية....ولن يستطيع أن ينتظر حتى تتحقق مملكة السماء فى آخر الزمان "بالمفهوم المسيحى" ويأتى المسيح المخلص ويتعانق الجميع فى سعادة ويسامح بعضهم بعضاً ويغنون للرب ويمجدونه فى فرح وسرور بعد أن يكونوا قد فهموا حكمته الغائبة عنهم الآن....هو فقط لا يستطيع ذلك....
اثناء متابعتى للثورة السورية فى أحد الأيام لفت نظرى مقطع فيديو لأحد المجمعات السكنية فى حمص وقد تهدمت بشكل سىء للغاية وتحولت لأنقاض بفعل البراميل المتفجرة ذلك الاختراع الرهيب بسيط التكلفة شديد التدمير ....وقد وقف فى وسطها رجل وهو يصرخ بشدة رافعاً يديه للسماء وهو يحركها فى اعتراض شديد (( يا الله ! يا الله ! يا الله ! )) وكأنه يقول أين أنت يا الله ...لماذا هذا يا الله....بينما جميع من حوله يحاولون تهدئته وتكتيف اذرعه المعترضة ونصحه بعدم الكفر الى آخره....
تجمدت أمام المشهد ودمعت عيناى للحظات .....هذا الرجل فى هذه اللحظة كان ايفان فيدوروفتش بامتياز....وفى كل مكان للحروب والصراعات فى هذا العالم هناك ايفان فيدوروفتش يمتلأ بالغضب على الحكمة الالهية.....
أمام مرآة ما يقف إيفان فيدوروفتش آخر لائماً القدر لأنه ولد قبيحاً منفراً يبتعد عنه الناس....
وفى غرفة ما جلس إيفان فيدوروفتش آخر وحيداً منعزلاً لائماً القدر على أنه خلق وحيداً ومضى فى هذه الحياة وحيداً وسيموت وحيداً فى يوم ما.....
كل إنسان تعرض للألم الشديد فى هذا العالم لأى سبب ما حمل بداخله جزء من روح إيفان فيدوروفتش....حتى ولو بدون قصد....بعضنا تحمل من الألم فى حياته حتى اكتفى وأخذ يفكر فى الموت يومياً...بعضنا انتحر ! أو بمعنى آخر "رد بطاقته الى الله ! " ورفض التواجد فى السيناريو الالهى.....لكن هؤلاء حمقى أيضاً....لأنهم مازالوا جزءاً من السيناريو....لأن الموت ينهى حياتك لكنه لا ينهى وجودك....فالروح خلقت لتخلد ولا شىء يستطيع منع ذلك .....ايفان فيدوروفتش لم ينتحر.....ايفان فيدوروفتش الذكى يذهب الى أبعد من ذلك....انه يتمنى لو لم يوجد أصلاً....ذلك ما عناه ب" رد بطاقته " ....
بذكر الموت أريد أن أتعمق هنا أكثر فى سيكولوجية الانسان البائس أو المتألم بهذا المثال الرائع للفيلسوف الوجودى "كولن ويلسون" ....يقول : (( إننا عندما كنا أطفال كنا نفكر فى كيفية "معاقبة" والدينا إذا ما أساؤا معاملتنا ، فنلجأ عادة إلى تصنع المرض أو الضعف وتتغلغل العادة فينا ، بحيث أننا نجد أنفسنا منساقين حين نكبر إلى أن "نعاقب" الحياة لعدم معاملتها ايانا بالعناية والتقدير الذى نستحق ! .....اننا نقول : "لا لن استمر تحت هذه الظروف ، اذا كان القدر يريدنى أن أستمر فان عليه أن يتقدم إلى بعرض أفضل ، وإلا ساستلقى فى مكانى وأرحل عن الوجود"  ....هذا العنصر الصبيانى قد يكون موجوداً فى أصلب الناس ، وقد تثيره فيهم ظروف قاسية جداً ))
وعلى نفس منوال كولن ولسون أستطيع ان أقول أن رفض بعضنا للقدر لا يكون بالرحيل عن الوجود ولكن بارتكاب الاخطاء وتحدى القدر كالطفل العنيد الذى يتمادى فى الخطأ بالمعاقبة ، إنه يقول لقد وصلت الى نهايتى ولا يبدو ان شىء سيتحسن لذلك سافعل ما يحلو لى....أو سأفعل شىء خاطىء اعرف أنه خاطىء فقط كم فرط حنقى وغيظى....
بعضنا يستلقى دون حراك ولكن دون مغادرة الحياة....فقط يستلقى دون فعل شىء....يبدأ يومه فقط لينهيه.....بينما بداخله غضب خفى على القدر يذهب ويجىء.....كطفل يستلقى فى وسط البيت مدعياً الموت منتظراً أن يلاحظه أحد ويواسيه و ويعيد له حقه المسلوب.....أنت كذلك الطفل فى انتظار أن يشفق عليك القدر....فى انتظار أن يلاحظك القدر!!
فى مكان ما وفى زمان ما لعلك حملت جزء من روح ايفان فيدوروفتش بداخلك ....لعلك ما زلت تحمله الآن....لعل بداخلك أسئلة لا اجابة لها وغضب لا شفاء له.....لعلك تبحث فيمن حولك عن الملحد بينما هو بداخلك !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق